من المسؤول عن التضخم؟ الرسوم الجمركية أم الاحتياطي الفيدرالي؟ وهل حجة المدافعين عن سياسات ترامب الاقتصادية منطقية فعلاً؟



منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه، لم تمرّ تقريبًا أيّ أسبوع دون أن يكون هناك نقاش في وسائل الإعلام المحلية والدولية حول الرسوم الجمركية. ومؤخرًا، تناولت قناة Fox Business هذا الموضوع في تقرير ادّعت فيه أن قرار الاحتياطي الفيدرالي (Fed) بالإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير يُعدّ دليلًا على أن المخاوف بشأن الرسوم الجمركية غير مبررة، وأن انتقادات وول ستريت وسياسيي المعارضة ليست في محلها.

لكن هذا الدفاع عن سياسات ترامب الجمركية يحمل العديد من المغالطات. أولًا، من الغريب استخدام قرار تثبيت الفائدة كمبرر للدفاع عن الرسوم، خصوصًا أن من أسباب قرار التثبيت كان الخوف من التضخم الناتج عن الرسوم نفسها، كما أشار رئيس الفيدرالي جيروم باول.

ثانيًا، قدم المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو فرضية غير واقعية لتبرير الرسوم. فبحسب كودلو، إذا ارتفع سعر غسالة بسبب الرسوم، واشترتها العائلة رغم ارتفاع السعر، فإنها ستخفض إنفاقها على سلع أخرى، مما يؤدي إلى تراجع أسعار تلك السلع الأخرى، وبالتالي يبقى مؤشر الأسعار العام مستقرًا. لكن هذه الفرضية تعترف ضمنيًا بأن المستهلك الأمريكي سيتضرر لأنه سيضطر للتنازل عن شراء سلع أخرى.

ولو كانت الرسوم مفروضة على سلعة أو سلعتين فقط، لربما كانت الفرضية مقبولة بشكل نسبي. ولكن الواقع أن الرسوم المفروضة حالياً تشمل شركاء تجاريين رئيسيين وتغطي طيفاً واسعًا من السلع، ما يعني أن الأسعار بشكل عام سترتفع، وهو ما يؤدي إلى التضخم. صحيح أن هذه الزيادة قد تكون مؤقتة، لكنها لا تزال تؤثر سلبًا على الاقتصاد الحقيقي.

إضافة إلى ذلك، تعتمد بعض الحجج المؤيدة للرسوم على تصور خاطئ لطبيعة التضخم. إذ يرى كودلو أن التضخم لا يمكن أن يحدث إلا إذا قام الاحتياطي الفيدرالي بطباعة الأموال أو إذا زادت الحكومة إنفاقها بشكل مفرط. وهذا تبسيط غير دقيق لمقولة ميلتون فريدمان الشهيرة بأن "التضخم هو دائمًا وأينما ظاهرة نقدية".

المعادلة الاقتصادية (المعادلة الشهيرة: P x Y = M x V) تربط بين العرض النقدي والأسعار، لكنها تعتمد على افتراضات غير دقيقة في الوقت الحالي، مثل ثبات سرعة تداول المال (V) وعدم تأثير الكتلة النقدية على الإنتاج الحقيقي (Y)، وهي افتراضات لم تعد صالحة في ظل الابتكارات المالية الحالية.

في الواقع، يمكن أن يؤدي النقص في السلع نتيجة فرض الرسوم إلى تضخم أيضًا، حتى دون زيادة الكتلة النقدية. وأظهرت أبحاث مؤسسة كاتو أن غالبية فترات التضخم التي تنحرف عن المسار الطبيعي تأتي نتيجة صدمات عرض، مثل النقص الناتج عن الرسوم.

ومن الجدير بالذكر أن الاحتياطي الفيدرالي لا يقوم ببساطة بضخ الأموال في السوق، بل يعتمد على أدوات نقدية غير مباشرة من خلال التأثير على أسعار الفائدة بين البنوك. ورغم تغيير بعض السياسات النقدية بعد أزمة 2008، إلا أن الهدف لا يزال هو التحكم بالتضخم عبر أسعار الاقتراض وليس عبر "طباعة الأموال".

ختامًا، تعتمد سياسات ترامب التجارية على رواية مفادها أن الطبقة الوسطى الأمريكية تضررت بسبب التجارة الحرة، لكن الأدلة تشير إلى عكس ذلك، فقد شهدت الطبقتان المتوسطة والدنيا نموًا في الدخل خلال العقود الماضية. والواقع أن الرسوم تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتراجع كمية السلع المتاحة، وكلما زادت هذه الرسوم وانتشرت، زاد الضرر على الاقتصاد والمستهلك الأمريكي. والدفاع عنها عبر لوم الاحتياطي الفيدرالي ليس له أي أساس اقتصادي سليم.

المصدر: Fox Business

إرسال تعليق

أحدث أقدم